يافا الجميلة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اسقاطات في حلقات ----------

اذهب الى الأسفل

اسقاطات في حلقات ---------- Empty اسقاطات في حلقات ----------

مُساهمة من طرف Admin السبت يوليو 26, 2008 2:26 pm

إسقاط (1)

يقول المثل المتوارث و الشائع بالبلدان العربية " أنا و أخي على ابن عمي و أنا و ابن عمي على الغريب " .

يبدو أن من صاغ هذا المثل دفعته أواصر الصلات الاجتماعية القوية في عصره إلى صياغته تعبيرا عن مكنونات هذه العلاقات و مدى ترابطها ، و على الأرجح أن هذا المثل لم يصغه شخص واحد كما أنه لم يصاغ حسب حالة فردية ، فإنه على الأرجح قد صاغ جوهره عدد من البشر في عدد من البلدان العربية و ربما قد تزامن هذا الوارد الذي اخرج المثل على خاطر العديد من المتحدثين في ذلك الزمان ، ربما قد تكون اختلفت الصيغة اللفظية أو اللغوية و لكن الجميع قد احتفظ بذات المفهوم و إن كنت أرى التوافق في معظم ألفاظ المثل في معظم الروايات.

من ناحية أخرى و بالنظر إلى الزمان الذي صيغ فيه هذا المثل، و الذي افترض جدلا بأنه ليس بالقريب ، فإن ذلك يدفعني للاستغراب من هذا التوافق في الخواطر في الروايات المتعددة ، مع معطى بان وسائل الإعلام والاتصال لم تكن مباشرة أو سريعة كما انه قد لا يتكرر هذا المثل في حديث الناس اليومي مما يضعف احتمال نقله و نشره بهذه السرعة بحيث تكون هذه الحصيلة من التزامن المذهل ، إلا أن الحقيقة الثابتة أن المثل طبق حرفيا في مسار تاريخ هذه الأمة العربية ، على الأقل حتى أكتوبر 1970.

يظل ذلك استنتاج شخصي و نظري إلا أنني أستطيع إسقاط المثل على أحداث ذات صلة بما يجري اليوم ، ليس من الناحية الجوهرية للمثل و لكن من الناحية (التكتيكية ) ، نذكر قبل فترة من الزمن في النصف الأخير من القرن الماضي (العشرون) ، تواترت فكرة التعايش السلمي بين العرب المسلمين و اليهود الصهاينة على أرض فلسطين لعل أبرزها تلك التي على يد أحد المستشرقين ( باتريك سيل) في مقالات له نشرت بمجلة عربية ، و كانت الفكرة ليست مجرد افتراض للتعايش السلمي من منطلق سياسي أو جغرافي إنما تخطت بل تجراءا ت الفكرة لدى ذلك المستشرق لدرجة دلل على انتماء اليهود الصهاينة و الشعب الفلسطيني رحميا و جعل منهم ( أبناء عمومة ) ، وتبلورت تلك الخواطر ليس فقط لدى كاتبها إنما استشرت عدواها حتى أصبحت فكرة ثم صعدت لتصبح واقعا . الملفت للنظر هو سيادة مثل هذه الفكرة و انبعاثها الذي جعل من السهل في ذلك الوقت الحديث عن السلام من منظور أبناء العمومة ، وتقسيم الأرض على ذلك النحو . بطبيعة الحال لست من المعارضين لفكرة العودة إلى الوطن الفلسطيني و لكن ليس بكيفية ذلك المستشرق الذي سعى لتقريب المسافات البعيدة التي حكم عليها أن تظل بعيدة لان لا انساب بينها في الأصل .
لكن ما أخشاه اليوم حقا أن يصدق قول القائل بضرورة اختلاف الجوهر في الأمثال والاحتفاظ باللفظ ، و ذلك لاختلاف عناصر التوازن و تبدلها في جميع المجالات لا سيما الاجتماعية حيث تغير قاموسها فأصبحت على سبيل المثال لفظة أخي و مصدرها أخ تعني في (القاموس الحديث) ذلك الشخص الذي تنسب أنت و هو إلى رحم ( مصلحة مشتركة) ، و من صلب (هدف واحد) ، رغم أن جميع الدلائل تشير إلى صدق ذلك فاليوم لا نجد الاخوة (بمنظور الأمس) لنصرة أخوتهم على (أبناء العمومة بمنظور اليوم ) ........ لا أدري حتى الان ماذا تعني كلمة إبن غير شرعي بالقاموس الحديث.
ربما تسفر الأيام القليلة القادمة من الحرب على العراق عن معاني جديدة لكثير من الكلمات و على وجه الخصوص كلمة "الغريب" ، لكن تذكروا حتى ذلك الوقت أن أهلنا قديما قالوا"ما غريب إلا الشيطان" .

" لكل بحر شاطئ و الخيال شاطئه حيث يقف الإدراك "


------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
إسقاط (2):

من الأمثال السائدة في المنطقة العربية " ما غريب إلا الشيطان"
مما لا شك فيه أن هذا المثل يضرب عند العرب عند استغراب أحدهم أمرا جائزا أو جائز الحدوث فيرد عليه بهذا المثل ، أي لا تستغرب لأن الأمر ليس بغريب أو يستدعي الاستغراب و أن الغريب الوحيد هو الشيطان أو فعل الشيطان على الأرجح في القول.
يذكرني ذلك بامرأة كبيرة في السن تكاد تكون عجوز و لكن يبدو عليها ملامح النشاط و الصحة ، و رغم أن وجهها يبدو عليه نوع من الألفة و الراحة التي تسري في داخل الشخص كأنها نسيم عليل يداعب خدين أعرقهما الحر ( القيظ) ، قالت لي من دون الذين تحلقوا حولها ممن كان معنا بسفرنا عندما توقفنا حيث وجدناها ، لتناول الطعام و قسط من الراحة و من ثم متابعة السفر إلى مقصدنا ، و من بين الحضور كانت هناك فتاة هي خطيبتي ، كنا قد بنينا جسور من المحبة و أنبتنا أزهار ربيعية على قلوب كل من حولنا لعمق إحساس كلنا منا بالأخر ، فلا غرو في ذلك لأن حبنا كان قد ولد معنا ، حقيقة لا أستطيع أن احدد متى و كيف و أين كان مولد ذلك الحب سوى أنني أشعر بل أنا وهي نشعر بأن هذا الحب و لد معنا ، حتى أننا لم نقل لبعضنا البعض تلك الكلمة الجميلة المعهودة بين الأحبة و كان ذلك بديهيا بالنسبة لنا لان ما كنا نحس به أعظم من أن يتنفس المرء بكلمة يقولها ثم ما تلبث أن تأخذها الريح في أدراجها و يعود ليشحن جهده ليدرك ما فاته بين كل المرات التي يذكر لمحبوبه هذه الكلمة ، لن أطيل في شرح ذلك ، و لكن استدعى الأمر لقول المرأة التي فاجأتني به عندما قالت لي " يا بني أنت تحب تلك الفتاة و لكن ليست من نصيبك و انك ستعيش وحيدا" ، ما كنت حينها لأعبء بكلامها لولا أمرين أولهما أن هذه المرأة بفراسة و سرعة أدركت بان شئ بيني و بين تلك الفتاة رغم أنني لم أكن أجلس بقربها أو حتى أنظر إليها ، و الأمر الثاني هو ما انتابني من إحساس مرير لحظتها بأن فتاتي سوف لن تكون من نصيبي فشعرت بأسى كأنما الأمر قد وقع فعل عند قولها ذلك فصرت أترنح في داخلي كمن أعياه ( عرق زحلا)، لم أعد بعدها أحس بطعم لأي شئ كان ، و صمت أذناي و خلت أن القيامة أزفت ، من يمكنه أن يصدق قولا كهذا ، و ظلت عمة فتاتي تخفف عني و تؤكد لي أن هذه المرأة قولها غريب و يستحيل حدوثه لابد و أنها شيطان متمثل في شكل بشر ، اقتنعت عندها أو أردت الاقتناع بفكرة المثل بأن ما غريب إلا الشيطان ، و ما لبثت السنوات تمر حتى كنا كالغرباء عنا بعضنا انا و خطيبتي ( التي أصبحت في حكم الماضي) ، و حتى أن الموت الذي كنت أخشاه عند التفكير في فراقها لم يعد له خشية داخلي .
ما يشعرني ببصيص من الأمل هو أن ليس كل ما قالته العجوز تحقق فلم أعش و الحمد لله وحيدا طيلة عمري ، و لكن العذابات كانت ثقيلة حتى أدركت نور و أحمد و أمهما حماهم الله من الغريب.
استعير قولا درج مثلا ذكره الصديق الراحل علي عبد القيوم في إحدى كتاباته ، " بين الخازوقين شم نفس" ، و إلى حينها تذكروا
" لكل بحر شاطئ و الخيال شاطئه حيث يقف الإدراك "


--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------



إسقاط (3):
علي عبد القيوم أحد الشعراء السودانيين الذين لم يتيح لهم الزمن ليعرفهم الناس بأشعارهم رغم جودة شعره و علو قيمته الأدبية ، حيث عاجلته المنية في بداية مرحلة نضوج الشاعر العالمي و سيكون من دواعي استغرابكم ان عرفتم انه احد الشاعرين لنشيد رفاق الشهداء الذي يتغنى بها الفنان وردي " أي المشانق لم نزلزل من ثبات وقارها " ، لعل يوما ما سيكشف عن كتاباته و يتصدر شعره قائمة أعمال المبدعين ، و ما أذكره للراحل المقيم علي عبد القيوم مقال في جريدة عربية عام 1989م على وجه التقريب ، و قد اسقط ذلك المثل على حدث في حينها ، حيث استفتح المقال بمثل قل من يعرف تفسيره هذه الأيام، ربما ذلك لعدة أسباب من أهمها أن بعض البلدان العربية لم تكن لتعرف هذا المثل لولا احتكاكها بحكم الدولة العثمانية ، و المثل يقول " بين الخازوقين شمة نفس " ، و هذا المثل إنما جاء على لسان حال أحد المساجين في عصر الدولة العثمانية ، حيث كان الجنود في ذلك الوقت يستعملون نوع فريد من التعذيب حيث يجلسون السجين على خازوق ، و الخازوق هو عبارة عن عود من أغصان الشجر اليابسة و قد بري بحيث يصبح مدبب من الأعلى و يغرس من الأسفل بالأرض ( على هيئة وتد بالأرض رأسه المدبب إلى الأعلى ) ثم يؤتى بالسجين و يجلس عليه و اعتاد الجنود في ذلك الوقت على إعداد عدد كبير من هذه الخوازيق تحسبا لأي طارئ ( مساجين جدد) ، و لما كان صاحبنا السجين ذلك قد أقعد على أحد هذه الخوازيق و قد أوثقت يداه و رجلاه ، و قد أخذ منه الألم و التعب ما أخذ ، فصار ينادي على الديدبان ( السجان) أرجوك أنقلني من هذا الخازوق إلى الخازوق الأخر ، و الديدبان لا يعيره اهتماما ، و لما كثرة مطالبة المسجون سأله الديدبان متهكما ، ماذا بك يا رجل ؟ ، أليس هذا خازوق و الأخر كذلك فما الفرق؟ ، فرد المسجون بشغف و قد بدى له أن شئ من الاستجابة من الديدبان ، يا سيدي إن بين الخازوقين شمة نفس ، و هو يعني أن المدة الزمنية التي تحتاج لنقله بين الخازوقين تتيح له قسط من الراحة و اخذ النفس ، حتى لو كان ذلك زهيدا جدا الا أنه مطمع من هو في حالته .
أيا ترى بقى لنا من مطمعه ذلك شئ ، تذكروا " من فات داره قل مقداره".
" لكل بحر شاطئ و الخيال شاطئه حيث يقف الإدراك "
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
Admin
Admin
Admin

عدد الرسائل : 118
تاريخ التسجيل : 04/07/2008

https://yafa.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى